حتى تتجنب الجدل العقيم
النقاش و الحوار في القضايا التى تتعدد فيها الرؤى و الأفكار و الآراء , يعتبر من علامات النضوج الفكري و من دلائل الرقي العقلي . و لا يخوض غمار النقاش و يبحر فيه إلا من تمكن من ادواته و درس معطياته و امتلك ما يسعفه و يعضد حجته فيه من المخزون العلمي و الخلفية الثقافية و الأهم الحس الأخلاقي العالي و احترام الخصم الفكري.
فمنازلة العقول في ميادين الرأي و الفكر , اشد قسوة و اكثر صعوبة من مبارزة النصال و محاورة السيوف في ساحات الوغى و مواطن القتال , و كما ان هناك مهارات و اسلحة أو ادوات و اخلاقيات لابد من التحلي بها لمحارب السيف و الترس , لا بد من وجود مثلها لمقاتل القلم و الفكر, مع صعوبة المهمة و عسرها لأهل العقول و فرسان الفكر.
اسلم طريقة لعواقب الجدل العقيم وفكار هامة للنقاش والحوار:
القاعدة الأولى: انت لن تستطيع ابدا ان تغير تفكير اي شخص في ما يتعلق بالآراء
دخول احدهم في نقاش برأي معين و خروجه منه برأي مغاير, من النوادر الصعبة الحدوث و قد اعدها من المستحيلات مثل الغول و العنقاء و الخل الوفي !
البشر بطبيعتهم يغيرون آراءهم بشكل تدريجي , و النقاش الطويل و الجدل العقيم لا يساعدهم في ذلك بل بالعكس تماما ... يدفعهم نحو الزاوية و يجعلهم يلجأون بسرعه لما يعتقدونه و يؤمنون به (رأيهم الأساسي) و يعتبرونه ك"غطاء أمان و حمايه" فكري.
تصحيح الأخطاء التي لها ما يعارضها من الدين و العلم , أو ما يصنف تحت خانة الحقائق , أمر اسهل بكثير.
لكن لا تخلط بين تصحيح "الحقائق" و تغيير "الآراء" , خصوصا تلك المستندة على حقائق و ثوابت تدعمها.
إضاءه :"الآراء دائما تصمد بغياب الحقائق حتى تظهر حقائق جديده تبرر لها"
القاعدة الثانية: حدد بدقه مواضيع النقاش و قلِّص محاور الخلاف و كن اتنقائيا لأقصى حد
و هذه استراتيجية ناجحة دوما في البعد عن التوسع في النقاش و الإنجرار نحو الجدل العقيم المطول الذي لا فائدة منه.
- اياك ان تبحث عن مواطن الإختلاف او الأشياء التي تختلف معها بشكل اساسي , فهي كثيره, و لست مكلفا بإصلاح العالم.
- اذا وقعت بالمصادفة على مافيه مخالفة جذرية لما تراه او تعتقده, دعه يمضي بلا تعليق منك ( انظر للفقرة السابقة , و القاعدة الأولى) , إذا كان ولابد فاكتب ردك ثم امسحه بدون أن تشارك احدا فيه.
- في ما بقي من المواضيع التي ربما تخالفها بشكل جزئي و قابل للنقاش, ركز على المقالات التي تشعر ان لها تأثير عملي و ايجابي على حياتك الشخصية و نظرتك للحياة.
- لا تتناقش مع من عهدت منهم تصلبا في الرأي و جمودا في الفكر و جدلا في النقاش و جهلا واضحا بيّنا .
إضاءه:" ابحث عن ما تتفق فيه مع الآخرين لا عن ما تختلف فيه معهم , فتقاط الخلاف اكثر من جوانب الإتفاق"
القاعدة الثالثة: إذا اختلف احدهم مع ما تطرح من رأي او فكره, فأنت الآن في موضع النقاش و الحوار , اشرح وجهة نظرك و غادر
حتى تتجنب الإنسياق نحو الجدل العقيم ,فالهدف الأساسي هو ان تبين وجهة نظرك بوضوح ثم تغادر ...
لديك منهجان لاثالث لهما:
"اذكر رأيك و فكرتك بشكل واضح و جلي"
و
"قم بإزالة أي لبس او سوء فهم"
ليس هناك مغزى من اعادة القول و الزيادة و الدوران حول الفكرة التي قمت بذكرها بوضوح فهذا مما يضعف موقفك. لا احد يحب التكرار و قراءة نفس نقاط الحوار مرة بعد مره. اذا فهم الطرف المقابل ما اردت قوله - و استمر في المعارضة من باب المعارضة فقط - فلا جدوى من التكرار اساسا , فالمفيد و ما فيه اضافة فقط هو توضيح ما تعنيه في حال لم يتم فهم ما ذكرته,او الأتيان بشكل مفاجيء بحجة جديده.
لكن هناك فخ لابد من تجنب الوقوع فيه و قد وقعت فيه كثيرا .. للأسف
الفهم لابد ان يكون مبنيا على تجربه و عن خبره و معايشه فكريه . مثلا, عند الحديث عن الدين لابد ان يكون الطرف الآخر مؤمنا بالخالق و لديه خبره "ايمانيه" , لا يكفي ان يعرف الشخص عن طريقة الإيمان و هو لم يؤمن اساسا.
بمعنى , يمكنك ان تشرح و تستفيض و لكن لن تكون في نفس "الموجة الفكرية" مع من لا يؤمن و لم يجرب الإيمان. و هذا المثال يمكن ان ينسحب على باقي الطروحات و المفاهيم. الكثير يحاول ان يشرح فكرته حسب منظوره و "ايمانه" بها لمن يعلم بطريقة و "ميكانيكية" الفكر و لكن لا يزال الطرف الآخر غير فاهم لها رغم الشرح و التكرار , لأنه لم يعتقد بها او يعايشها.
إضاءه : " لابد من وجود خبره مسبقة و ايمان بالفكرة التي يدور حولها النقاش, حتى تفهم الطرف الآخر في النقاش , غير ذلك يصبح عقيما و غير مجدياً"
القاعدة الرابعة: خير الكلام ما قل و دل , و إذا طال النقاش فالكلمة الأخيرة مهمة
كلما كان الجدل و النقاش اقصر كلما كان اسلم. و لكن إذا طال النقاش فالكلمة الأخيرة مهمة و محوريه. و هذا ليس مهماً غالبا في حالة النقاش المختصر.
القاعدة الخامسه : في حالة تجاهلك للقواعد السابقة و وجدت نفسك في نقاش طويل , فكن هادئا و اظهر بعض اللا مبالاة
الإندفاع العاطفي , هو نقطة ضعف يستغلها خصمك بسهوله و يفقدك توازنك.
الإندفاع العاطفي يتحول لحماس و الحماس يتحول لتعصب و تصلب و هوس بفكرتك و رأيك. و بهذا تفقد الموضوعية و يسهل و استفزازك و بالتالي سقوط ماتدافع عنه..
منقول..