((في الأربعين))
أصبحت، فجأةً، في الأربعين.
فجأةً تغيرت إجابتي عن السؤال المستفز:
كم بلغت؟؟.
وفجأة، تغيرت ملامحي ونبرتي،
فلم أعد أستخدم الحروف، ذاتها،
ولا أصابع اليدين، ذاتها.
وانخفض الصوت الذي، عهدته مشاكساً..
كأنني أنطق سعر سلعةٍ
أو كأن بائعا، يذكر المدين:
"أربعين.... أربعين".
***
فجأة تغيرت رائحة الهواء.
فلم أعد أشم عطر جارتي
فجأة، توقف الشيطان عن زيارتي.
***
في الأربعين تصمت الخيول
لعل مهراً، سابقاً، يودُّ لو يقول.
في الأربعين يطرق الملاك باب الأنبياءْ
لعل لي حظاً، هناك، في السماءْ.
في الأربعين تيأس النساءْ
لعل أنثى، داخلي، تحتاج للرثاءْ.
في الأربعينْ...
أغفو مقابل التلفاز، فجأة
وفجأة... أصحو لقرص الأسبرينْ.
***
في الأربعين يبدأ التكرارْ.
فكل ما سيأتي
قد مرّ في حياتي.
أعود من مدينة جميلةٍ..
وذات يوم، عدت من مدينة تشبهها.
أزور متحفاً للشمع، كي أرى
خمسين وجهاً، كلها، أعرفها.
أمشي على شوارعٍ حفظتها، ألفتها
أضعت فيها غربتي.
كأن ما يقودني،
غريزتي.. لا رغبتي.
في الأربعين..
إذا التقيت امرأة فاتنة
يشدني الحنين،
عشرين عاماً للوراء..
حين كنتُ سيّداً
لامرأة فاتنة تشبهها.
***
في الأربعين يبدأ النسيان.
العقل يصبح سيّداً
والقلب خادمه المطيع.
يمشي، ويحمل سلة للذكريات
يلمّ حادثةً.. وحادثةٌ تضيعْ.
العقل يعرفُ، أن نسيان المكان مبرّرُ
والقلب يدركُ أن من سكنوا المكان تغيّروا
وأنا أبرّر لعنة النسيان في جسدي،
فحين نسيت عيد الأم قلت:
هذي هي الشيخوخة المبكرة.
وعندما نسيت عيد امرأة أخرى، فرحتْ..
هذا ازدحام الذاكرة.
في الأربعينْ...
تقول لي أمي تذكّرْ،
كم بلغتَ من النساءْ.
وتقول لي امرأة: تذكّرْ،
كم بلغت من السنينْ.
:: من ديوان "ظِلّي وحيداً" للشاعر الفلسطيني (عامر بدران)